عن تتر مسلسل ” الحكاية ” كتب محمد ولد النمين

#تدوينات
عن تتر مسلسل ” الحكاية ” كتب محمد ولد النمين
في محراب الصمت ، حيث الذكريات تجتر اللحظات البطاء سكارى و تهمس المناجاة بأسرار الزمن، و تُغني أناشيد الروح، يطلُّ صوتٌ شابٌّ عذبٌ، كأنه نايٌ يبكي في ليالي الوحدة، أو رعشة حزينةٌ تعانق أطراف القلب قبل أن تذوب في حنايا الروح إنه صوت العبقري شغالي ، الفنان الشاب الذي حمل على عاتقه إرثًا موسيقيًّا ثقيلًا، وأضاف إليه من روحه العذبة وإحساسه الرفيع ما جعله خليفةً حقيقًا للفنان العظيم الخليفة ولد إيده، رحمه الله.
العبقري قصةٌ من الإلهام، وحكايةٌ من العشق الذي لا ينضب للموسيقى والكلمة. يتجلى صوته، كأنه خيطٌ من نور، ينساب بين الحروف والنغمات، فيمسك بالقلوب قبل الأذان. يحمل صوته بين طياته حزنًا عميقًا، كأنه يعيد إلى الأذهان تلك الحكايات القديمة التي كانت تُروى تحت ضوء القمر، حين كانت الأصوات تخرج من أعماق الروح، لا من حناجر الجسد فقط.
صوت العبقري – و اسمحولي هو صوت الأرض التي عانت، والصحراء التي تأوهت، والإنسان الذي ظلَّ يبحث عن معنى الوجود في ظلِّ رياح الزمن العاتية. إنه صوتٌ يذكرنا بذلك الإرث العظيم الذي تركته اللولة طيب الله ثراها و الخليفة ولد إيده، الفنان الذي كان مدرسةً موسيقيةً قائمةً بذاتها، والذي علَّمنا أن الفن ليس مجرد نغمات، بل هو روحٌ تسكن في كلِّ شيء. والعبقري ، بكلِّ ما يحمله من موهبة وإحساس، هو امتدادٌ طبيعي لتلك المدرسة، وهو بقيةٌ من ذلك الإرث الذي ظلَّ يترنم في أرض الملثمين ، كأنه سرٌّ مقدسٌ لا ينكشف إلا لمن يعرف كيف يستمع بقلبه.
حين يغني ، كأنما الصحراء كلها تصمت لتستمع إليه. تخرج الكلمات من أعماقه، كأنها قطرات ندى تسقط على أوراق الذكريات، فتوقظها بعد سبات طويل . صوته، بكلِّ ما فيه من حزنٍ وعذوبة، يذكرنا بأن الفن الحقيقي هو ذلك الذي يلامس الروح قبل الجسد، ويحرك المشاعر قبل العقل. إنه صوتٌ يبكي، و في بكائه يمنحنا الأمل، ويذكرنا بأن الحياة، رغم كلِّ ما فيها من آلام، تظلُّ جميلةً بما يكفي لأن نغني لها.
ولعله الوحيد الذي جمع بين الأصالة والحداثة، بين الماضي والحاضر. لان صوتٌه الحنون يحمل في طياته كلَّ تلك الحكايات التي رواها الآباء والأجداد، و يضيف إليها من روحه الفتية ما يجعلها تتناسب مع زمننا هذا. إنه فنانٌ يعرف كيف يكون وفياًّ لإرثه، دون أن يفقد القدرة على الابتكار والتجديد.
هو ظاهرةٌ فنيةٌ نادرة، وصوتٌ يذكرنا بأن الفن الحقيقي هو ذلك الذي يخرج من القلب، ليصل إلى القلب. هو خليفةٌ حقيقي للخليفة ولد إيده، و بدايةً جديدةً لفنٍّ سيظلُّ يترنم في أرض الرباط ، كأنه نايٌ يبكي، أو نسمةٌ حزينةٌ تعانق الروح قبل أن تذوب في فضاءات الأحلام.
اسكي العبقري..
محمد النمين
كاتب صحفي