قراءة منصفة للعاشر من يوليو 1978

لم يكن العاشر من يوليو عام 1978 في نظر الكثير من الموريتانيين وأنا أحدهم حدثا عابرا في التاريخ الموريتاني . بل كان ذلك التدخل العسكري في جوهره استجابة اضطرارية لإصلاح مسار كاد أن يودي بالدولة الوليدة ومحاولة واعية لصيانة ما تبقى من أركان مؤسساتها وإنقاذ وحدة البلاد من التفكك والانهيار.
لقد اظهرت معطيات ووقائع ايام الحرب مع الصحراء ان قرارها لم يكن خيارا مدروسا فقد تم دون استعداد سياسي أو عسكري أو دبلوماسي كافٍ. حيث استنزفت الحرب الموارد وزعزعت الاستقرار الداخلي وأتاحت لجبهة البوليساريو فرصة التوغل والضغط حتى غدت البلاد مكشوفة على كل الاحتمالات السيئة وفقدت السلطة السياسية بوصلتها وبات واضحا أن الاستمرار في النهج نفسه يعني الذهاب مباشرة نحو هاوية لا قاع لها.
كان لا بد إذن من قرار حاسم فكان انقلاب العاشر من يوليو 1978 لا ليصادر الحلم المدني كما يحلو للبعض القول بل لتصحيح المسار ووضع حد للفوضى وإعادة رسم العلاقات الإقليمية على أسس من الواقعية والاعتدال السياسي.
لقد ظلت المؤسسة العسكرية منذ ذلك التاريخ جزءا من هوية الدولة ومخزونها الاحتياطي في لحظات الأزمة وعلى الرغم من كل ما يمكن أن يسجل من ملاحظات على بعض الفترات فقد نجحت في أكثر من منعطف في إعادة سفينة الوطن إلى مسارها الطبيعي والحيلولة دون تفكك الدولة في لحظات حرجة.
من هنا، فإن القول بأن المؤسسة العسكرية في موريتانيا قتلت حلم الموريتانيين في دولة القانون والمؤسسات هو ظلم مزدوج، فيه تجاهل للتاريخ واختزال غير منصف لمسارات معقدة لم يكن لها كن من حل إلا الحل.
إن من واجبنا ونحن نستحضر ذكرى أول انقلاب عسكري على الحكم ألا نكتفي بلغة الإدانة الجاهزة أو المديح الزائد بل أن نقرأ الحدث في سياقه وأن نفهم دوافعه في ضوء التحديات التي واجهت الدولة آنذاك. وعندها فقط، سنخلص الى أن 10 يوليو 1978 في أسوء الأحوال لم يكن انقلابا على الحلم بل محاولة قد نختلف في تقديرها لكنها كانت الوحيدة القادرة على منع البلاد من التلاشي.
بقلم : النائب السابق اباب بنيوك