نواذيبو مدينة جوع وبطالة وعطش وظلام.. بقلم الإعلامي محمد سوله

في حضن الأطلسي، حيث يتنفس البحر أزرقه اللامتناهي، تنهض مدينة نواذيب التي يفترض أن تكون قلب الاقتصاد النابض، وسقف الأمل العالي للوطن. غير أنّ الواقع يكشف وجهاً آخر؛ وجهاً متعباً، يختنق بأنفاس الانقطاع والخذلان.
ما أقسى أن تعيش مدينة تطل على المحيط، وتجد أهلها يطرقون الأبواب بحثاً عن قطرة ماء! كأن البحر العملاق يسخر من عطشهم الصغير. أما الكهرباء، فتأتي وتغيب كزائر متقلب المزاج، تاركة البيوت في عتمةٍ ثقيلة، تُذكّر الناس بأن الازدهار الموعود لم يأتِ بعد.
شوارع المدينة لم تعد طرقاً، بل حفرٌ مفتوحة تبتلع السيارات والأعصاب. أما الطريق الرابط بينها وبين العاصمة، فقد صار ساحة صراع بين عجلات النقل ورمالٍ متربصة، كأنها تُصرّ على محاصرة المدينة، تعزلها عن محيطها وتُبقيها رهينة الانتظار.
في الأسواق، تتجلّى المفارقة الموجعة: أسعار المواد الأساسية، حتى تلك المعفاة من الجمركة، تشتعل بنارٍ لا تنطفئ. والأسماك، هدية البحر المجاور، صارت حلماً بعيد المنال، تتزين بها موائد القادرين فقط، بينما الفقراء ينظرون إليها بحسرةٍ من وراء الزجاج.
شباب المدينة، زهر البلاد، يقفون في طوابير البطالة، يطاردون فرصة عمل كما يطارد العطشان السراب. والمدينة التي يفترض أن تُقدّم لهم الحياة، تُلقي بهم في دروب الهامش، بلا أفق ولا يقين.
حتى خطوط الطيران المحلية، التي كان يمكن أن تخفف عزلة المكان، صارت غير منتظمة، تُشبه نبضاً مريضاً لا يطمئن له قلب مسافر. هكذا تُطوّق المدينة من كل الجهات، كأنها جزيرة تُحاصرها الرمال بدل المياه.
هكذا تعيش العاصمة الاقتصادية، في مفارقةٍ صارخة بين ما يفترض أن تكونه وما هي عليه فعلاً. مدينة على ضفاف الأطلسي، لكنّها عطشى. مدينة في قلب الاقتصاد، لكنها مفلسة اجتماعياً. مدينة بين البحر والرمال، لكنّها غارقة في عزلة موجعة. ومع ذلك، يبقى الأمل معلّقاً في العيون، أن تستيقظ يوماً هذه المدينة من سباتها الطويل، لتصير كما أرادها التاريخ: عاصمة تُضيء، لا مدينة تُعاني.
الإعلامي: محمد سوله