كلمة في حق الوالد الدكتور الشيخ ولد أحمد محمود

بعض الأشخاص يمرّون في حياتك كنسمة ربيع، يتركون فيك الأثر الجميل دون أن يدروا، ومن أولئك الذين حفروا مكانهم في القلب الوالد الدكتور الشيخ ولد أحمد محمود — أطال الله عمره وأتمّ عليه الصحة والعافية.
لم يكن مجرد جارٍ أو قريبٍ، بل كان بيتُه امتدادًا لبيتنا، وأهله أهلي، وأيامي بينهم بعضٌ من أجمل فصول حياتي. هناك في ذلك البيت المتجاور، تعلّمت أن الكِبر تواضع، وأن العلم إذا لم يُطعَّم بالرحمة يفقد نوره، وأن المحبة الحقيقية لا تحتاج إلى كلمات.
كان الوالد الشيخ — حفظه الله — يستقبلني دومًا بابتسامةٍ ودّية، يمدّ يده مصافحًا ويقول مازحًا: “بَطْ هَوُنْ وَكَالَتً الْعَيًشْ”، جملة بسيطة لكنها تختصر روحه المرِحة ودفء استقباله. لم تكن مجرّد عبارة، بل كانت مفتاح محبّته ومؤشّر صفائه، كأنها ترحيب القلب قبل ترحيب اللسان.
كان طبيبًا مختلفًا عن غيره؛ لا يرى في المهنة وسيلة للوجاهة، بل رسالةً إنسانيةً يهبها للمحتاجين. كان يُنفق على الفقراء والمساكين وذوي القربى بكرمٍ خفيّ، لا يُتبع عطاؤه منًّا ولا أذًى، وكأن يده اليمنى لا تدري بما أنفقت اليسرى.
وحين عرضت عليه وزارة الصحة في عهد صديقه الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، أبى المنصب، مفضّلًا أن يبقى سيد نفسه، قريبًا من مرضاه، وفي قلب الناس. تلك كانت بصمته في الحياة: الزهد مع العطاء، والهيبة مع التواضع، والعلم مع الرحمة.
لقد تربّيت في بيته، وتشكلت ملامح وفائي من وفائه، وتعلمت منه أن النبل لا يُقال، بل يُعاش، وأن المحبة الصادقة تُرى في المواقف لا في العبارات.
سيظل في الذاكرة كما عرفته: أبًا حنونًا، وطبيبًا رحيمًا، وإنسانًا من أولئك الذين يُشبهون الخير أينما حلّوا.
أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يشفيه شفاءً لا يغادر سقمًا، وأن يطيل عمره في طاعة الله، كما أطال أثره الجميل في قلوب من أحبوه.
المختار ولد ابراهيم ولد السيد