موريتانيا وتحديات الدراسة : الجامعة بين الأطراف و المدن

#تدوينات

موريتانيا وتحديات الدراسة : الجامعة بين الأطراف والمدن

تعدّ الجامعات مؤسسات تعليمية مركزية تساهم في بناء المجتمعات وتطويرها، ومن أبرز شروط نجاحها سهولة الوصول إليها وملاءمة بيئتها للطلاب. ومع ذلك، فإن بعض الجامعات في موريتانيا وغيرها من البلدان تواجه تحديات كبيرة بسبب اختيار مواقعها البعيدة عن مراكز المدن، مما يفرض صعوبات متزايدة على الطلاب، خاصة في مجالات النقل والخدمات الأساسية.

الجامعة ليست مضطرة أن تكون في الخلاء

ليس من الضروري أن تكون الجامعة في مناطق نائية بعيدة عن مراكز النشاط الاجتماعي والاقتصادي. بل على العكس، فإن وجود الجامعة في وسط المدينة يسهل وصول الطلاب إليها عبر وسائل النقل المتاحة، ويجعلها أكثر انفتاحًا على المجتمع المدني. في العديد من الدول المتقدمة، مثل فرنسا وألمانيا، نجد الجامعات الكبرى مثل “جامعة السوربون” و”جامعة هايدلبرغ” تقع وسط المدن، مما يعزز التفاعل بين المجتمع الأكاديمي والمدني.

في موريتانيا، كانت بعض الجامعات الوطنية تُبنى في مناطق شبه معزولة، مما يخلق إشكاليات كبيرة. على سبيل المثال، تم بناء “جامعة نواكشوط العصرية” في موقع يبعد من 10 إلى 15 كيلومتر عن مركز العاصمة، وهو أمر أثار تساؤلات حول مدى ملاءمة هذا الاختيار لاحتياجات الطلاب.

النقل.. معاناة يومية للطلاب

وفقًا لإحصائيات النقل في موريتانيا، يعاني 60% من طلاب الجامعات من صعوبة التنقل بين منازلهم وأماكن الدراسة بسبب ضعف وسائل النقل العامة وارتفاع تكاليفها. تتفاقم هذه المشكلة خصوصًا عندما تكون الجامعة في منطقة خارج المدينة، حيث يضطر الطلاب إلى استخدام سيارات الأجرة بشكل يومي أو المشي لمسافات طويلة.

على سبيل المثال، طالب من توجنين يحتاج إلى أكثر من ساعة للوصول إلى الجامعة باستخدام الحافلات العامة. أما الطلاب القادمون من ولايات أخرى فيواجهون تكاليف إضافية للإقامة داخل العاصمة أو بالقرب من الجامعة، ما يزيد العبء المالي عليهم وعلى أسرهم.

الأرقام تروي القصة

بحسب تقرير لوزارة التعليم العالي في عام 2023، 35% من الطلاب في الجامعة يعانون من انقطاع متكرر عن المحاضرات بسبب تأخر وسائل النقل. كما أظهر التقرير أن 20% من الطلاب ينفقون أكثر من 30% من ميزانياتهم الشهرية على تكاليف النقل وحدها.

على النقيض، يمكن مقارنة هذه الأرقام بجامعات في دول مجاورة مثل المغرب، حيث تمثل الجامعات في الرباط أو فاس نموذجًا ناجحًا لوجود المؤسسات التعليمية في قلب المدن، ما يخفف الأعباء المادية والنفسية على الطلاب.

الجامعة في وسط المدينة.. ضرورة وليس رفاهية

وجود الجامعة في وسط المدينة لا يعني فقط تقليل التكاليف وتحسين سهولة التنقل، بل يسهم أيضًا في تعزيز الحياة الطلابية وربط الأكاديميين بالمجتمع. توفر المواقع المركزية فرصًا للتدريب المهني في المؤسسات القريبة، كما تتيح للطلاب فرصة الوصول السريع إلى المكتبات، المراكز الثقافية، وحتى الأسواق.

على الصعيد الاقتصادي، فإن إنشاء الجامعات في المناطق المركزية يمكن أن يسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي، حيث يخلق حركة تجارية وفرص عمل ترتبط بالأنشطة الطلابية.

نحو تخطيط أفضل

لتحقيق عدالة أكبر وتسهيل الحياة الدراسية، يجب على الجهات المختصة في موريتانيا إعادة النظر في مواقع الجامعات المستقبلية، كجامعة أنواذيبو ومن الضروري أن يكون التخطيط مراعيًا لاحتياجات الطلاب وظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، بما يضمن لهم بيئة تعليمية مناسبة وتخفيفًا لأعباء النقل والإقامة.

ختامًا، يجب أن تُبنى الجامعة في أماكن تخدم الجميع، لأن التعليم لا ينبغي أن يكون تحديًا في حد ذاته، بل بوابة لتسهيل حياة الأفراد وتنمية المجتمع ككل.

بقلم : محمد الزين أعل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى