المسجد العتيق في نواذيبو .. ذاكرة المدينة الحية

المسجد العتيق في نواذيبو .. ذاكرة المدينة الحية

في قلب المدينة الساحلية نواذيبو، حيث تتلاقى رياح الأطلسي مع ذاكرة أهل البحر، يقف المسجد العتيق شاهداً على بدايات المدينة، وحارساً لروحها الأولى. لم يكن المسجد في بدايته سوى مصلى بسيط، سقيفة صغيرة يُقبل إليها السكان الأوائل لأداء الصلوات، يجتمعون فيها حول قيم الإيمان والوحدة، يوم لم تكن المدينة تعجّ بالأحياء والموانئ والأسواق كما هي اليوم.

ومع مرور الوقت، وبفضل تزايد السكان واستقرار الأسر الأولى في المدينة، توسّع ذلك المصلى ليصبح أول جامع تُقام فيه صلاة الجمعة في نواذيبو. ومنذ تلك اللحظة، صار المسجد العتيق مركزاً روحيا ومعلماً دينياً يجتمع حوله الناس، ينسجون عند أبوابه قصص العمران الأول للمدينة.
كان المرحوم البن الكنتاوي—رحمه الله رحمةً واسعة—أول إمام لهذا الجامع. يُجمع كبار السن في المدينة على أنّ صوته كان يملأ المكان بالسكينة، وأن خطبه الأولى كانت تؤسّس لوعي ديني أصيل في مجتمع ناشئ على أطراف الصحراء وبجوار المحيط. وكان المرحوم البن أيضاً معلّم القرآن الأول لأبناء المدينة الأصليين، خاصة جيل الخمسينيات؛ فقد درس على يديه كثير من الصبية الذين حفظوا في هذا المسجد العتيق حروف الهجاء وآيات الكتاب الكريم.

وبعد ما يقارب ستين عاماً من عمره، ومع توسّع المدينة وتحولها إلى مركز تجاري وصناعي كبير، خضع المسجد العتيق لعملية إعادة بناء شاملة، شملت تطوير بنيته وتوسيع مساحته وإعادة تصميمه بما يليق بمكانته التاريخية. واليوم يقف المسجد، في حلّته الجديدة، أكبر جامع في المدينة، يجمع بين أصالة الماضي ورحاب الحاضر، ويحافظ على اسمه ومكانته رغم تغيّر الزمن.

إنه ذاكرة نواذيبو، ومساحة مقدّسة حُفرت في وجدان أبنائها، ومنارة تُذكّر الجميع بأن كل مدينة تبدأ من ركعة، ومن صوت مؤذن، ومن مسجد يفتح بابه للفجر.

عبد الباقي العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى